ماذا أريد من الصّديق
_ لروسو _
أوّل ما أريده من الأصدقاء أن يكونوا لي أصدقاءً لا أسيادًا، وأن يشيروا عليَّ ولا يحكموني، وأن يكون لهم ما يريدون من الحقوق على قلبي، وألّا يكون لهم شيء من الحقوق على حرّيتي. وأشدّ ما أعجب له من الناس تذرّعهم بالصداقة للتّدخل في شؤوني من غير أن يطلعوني على شؤونهم.
وأُحبّ أن يصارحني أصدقائي بآرائهم فيَّ، وألّا يخفوا منها شيئًا عنّي، وأن يقولوا لي كلّ ما يشاؤون. وأنا أجيز لهم كلّ شيء إلّا أن يحتقروني. ذلك أنّني لا أبالي بالاحتقار يأتيني من شخص لا أعبأ به، أمّا إذا وُجّه إليّ من صديق، فمن حقّي عليه أن يتحقّق أوّلًا أنّي خليق به. وإذا كان من سوء حظّه أن يحتقرني فليمتنع على الأقلّ عن أن يجهر لي باحتقاره، بل عليه أن يقطع حبل صداقتي، فذلك حقّ لنفسه عليه. وفيما عدا الاحتقار وحده، أرى أنّ من حقّ صديقي عليّ أن يعاتبني، وأن يستخدم في عتابي أي لهجة يشاء، ومن حقّي أنا بعد أن أستمع لكلّ ما يريد أن يقوله، أن أقبل عتابه أو أرفضه. على أنّي لا أحبّ أن أُلام لومًا دائمًا على شيء مضى وانقضى.
وممّا يضايقني من الأصدقاء حرصهم الشديد على أن يصنعوا معي المعروف آلاف المرّات. ذلك أنّ في صنع المعروف شيئًا من مظاهر الولاية عليّ لا أطيقه، وإن في وسع غير الأصدقاء أن يصنعوا معي هذا المعروف نفسه، وحسبي من الأصدقاء أن أحبّهم ويحبّوني، والحبّ هو كلّ ما يراد من الصديق.
وأشدّ ما أغضب له من الأصدقاء، أن يستطيع كلّ زميل جديد أن يحلّ في قلبهم محلّي. وإذا ثرت بغير حقّ أو غضبت لغير سبب معقول، فليس لصديقي أن يحذو حذوي ويحاربني في فعلي. فإن فَعَل، كان ذلك منه دليلًا على أنّه لا يحبّني. إنّي أريد منه غير هذا، أريد منه أن يشعرني بحبّه وأن يعانقني، وأن يظهر في عناقه هذا عطفه وحنوّه. وجملةً أقول إنّي أحبّ أن يبدأ هو بإطفاء نار غضبي، ولست أشكّ في أنّ هذا لن يحتاج منه إلى وقت طويل. وإذا ما هدأت أعصابي، وخجلت من نفسي، وأسفت على فعلتي، وتحيّرت في أمري فليعاتبني أشدّ العتاب، وليصارحني بما أخطأت فيه، وما من شكٍّ في أنّه سيجد منّي ما يرضيه. وإذا كان منشأ الغضب أمرًا تافهًا لا يستحقّ البحث والجدل، فلْتُطوَ صفحته.
نقلًا عن "محمد بدران"
مجلّة "الثقافة" عدد 411